في هذا المقال نود ان نقدم تقييما للوضع الحالي لمنظمة مقاتلي خلق اخذين بالنظر جميع الجوانب الايجابية والسلبية ثم الاجابة على هذا السؤال؛ هل ان المنظمة ستصر على بقائها في العراق ام تسلم للانتقال الى اوربا؟ ما منافع واضرار التي ستعود على المنظمة مستقبلا في كلتا الحالتين ثم ما السياسة والاستراتيجية التي سيتبعها رجوي؟
رجوي وبعد اخلاء معسكر أشرف اعلن انه بالنسبة لمنظمته “المكان ليس مهما بل ان الايدلوجية التي يعتنقها مقاتلي خلق هي المهمة”. حين تسليم اسلحته للقوات الامريكية هناك ايضا بدأ بهذه الجملة “الدبابة ليست مهمة بل ان سائق الدبابة هو المهم”. هل يعني هذا انه سيسلم للخروج من العراق؟ بالاساس لماذا يصر رجوي احد هذا اليوم على البقاء في العراق وما هي مصلحته بذلك؟
على اي حال السؤال الاساسي هو نظرا للظروف التي تحيط المنظمة على المستوى الدولي وما تواجه من وضع بخصوص نظام الجمهورية الاسلامية ، ما هو مسير العمل الذي ستختاره؟ هل ستبقى في العراق مهما كلفها من ثمن او ترجح نقل مكانها الى اوربا؟ ما هي تكلفة كل من الحالتين وما هي العواقب التي ستترتب عليها؟
هنا يجب الرجوع الى الوراء قليلا، ثلاثة ايام بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران ، اي بالضبط في (14 شباط 1978) اجرت منظمة خلق اتصالها الاول مع فينسكو ، قائم باعمال سفارة الاتحاد السوفيتي (سابقا) في طهران. ادامة لهذا الاتصال اجريت اتصالات مكثفة في اوربا وطلب ممثل المنظمة بهذا المجال تزويدهم بالسلاح والتجهيزات العسكرية والجاسوسية من قبل الاتحاد السوفيتيي (سابقا) مقابل معلومات ذات اهمية بالغة عن المراكز الحساسة لنظام الجمهورية الاسلامية.
لكن هناك الحقيقة يجدر التأمل بها وهي ان مسعود رجوي قبل ذهابه العلني الى باريس عام1981 كان قد ذهب الى فرنسا بصورة سرية اوائل عام 1980 وتفاوض مع مسؤولين غربين حول الاطاحة بنظام الجمهورية الاسلامية الجديد. في هذا الوسط يقال ان فرنسا قد رتبت لاول اتصال بين المنظمة وصدام حسين. الوثائق التي حصل عليها من مخابرات واستخبارات النظام البعثي في العراق بعد سقوط صدام حسين تشير ايضا الى هذه الحقيقة بان اتصال منظمة خلق مع العراق يعود الى ما قبل بدء الحرب بين العراق وايران عام 1980.
جميع هذه الحقائق تشير الى ان مسعود رجوي ومنظمة خلق ومنذ الاوائل وحسب اعترافهم انهم لم يخططوا للاطاحة بالنظام والحصول على السلطة في ايران فقط لا بل وفي هذا المجال يتأملون ان يكون لهم داعما من الخارج واليوم هم كذلك يبحثون عن بديل لصدام حسين في الغرب ويبدو ان اسرائيل هي الانتخاب الامثل لهم. المسيرة العلنية والعملية لزمرة رجوي واسرائيل في مختلف السياسات لا يمكن انكارها مطلقا.
الواقع العملي يشير الى ان رجوي لم ولن يعول على الشعب الايراني مطلقا لحصوله على السلطة في ايران بل ان كسب الدعم الاجنبي كان ومنذ الابتداء ضمن برنامج عمله ، رغم انه يقوم ببعض الاعمال من اجل كسب وتجنيد احاد الافراد باساليب نفسية وفئوية. اساس عمل منظمة خلق يقوم على التجسس للاجنبي وكسب دعمه ومساعداته للحصول على السلطة. في الاجتماعات المعروفة بالحوض في العراق اعترف مسعود رجوي انه وللاطاحة بالنظام في ايران هو بحاجة لدعم من احدى القوى العظمى.
ذهاب مسعود رجوي الى بغداد والتعويل على الحرب بين العراق وايران في وقت قدم الغرب كل ما امكنه لصدام حسين كان ضمن هذه السياسية ايضا. ان تشكيل جيش التحرير الوطني ومشاركته في الحرب الى جانب العدو المتجاوز ضد المدافعين عن الوطن وكذلك الاعداد لاعمال ارهابية في داخل الاراضي العراقية ضد المدن الايرانية نفذت وفقا لاستراتيجية رجوي الرئيسية اي ” الاطاحة بالنظام بمساعدة الاجنبي”.
ان سقوط صدام حسين (الذي كان محبوبا عند الغرب في وقت ما حسب اعتراف مسؤولي المنظمة) على يد الجيش الامريكي تبعته اوضاع مؤلمة لرجوي ومنظمته. الظروف بعد احتلال العراق غيرت استراتيجية منظمة خلق بصورة كاملة وفقد رجوي الحكومة الوحيدة الداعمة له واصبح بحاجة ماسة لملء الفراغ الذي تركه صدام باي ثمن كان. رغم ان رجوي يعلم جيدا ان دعم صدام حسين له لا يمكنه من الاطاحة بالنظام.
رجوي كان يأمل ان يكون الحكم الجديد في العراق هكذا معاديا الجمهورية الاسلامية وبحاجة لوجود رجوي وزمرته في العراق. لذلك بدأ التدخل في شؤون العراق الداخلية محاولا ان يتصدى السلطة افراد ممن يؤمّنون ما تهدف اليه المنظمة بشكل افضل. احتفظ رجوي بعلاقاته مع اذناب صدام حسين في الاردن وفي هذا المجال دُعم من قبل اسرائيل وطلاب الحرب الامريكيين. هذه المحاولات المستمية لاقت الفشل الذريع وجميع وعود رجوي حول سقوط المالكي والاسد ذهبت ادراج الرياح.
حاليا وقد مرت اكثر من عشرة سنوات على سقوط صدام حسين، فانه يستبعد ان تقع السلطة في العراق بيد من يشن حربا اخرى ضد ايران وتتهيأ اجواء عهد صدام حسين لمنظمة خلق، او ان يحكم العراق دكتاتورا ان هذه الحقيقة يعلم بهذا رجوي قبل غيره، لكن هناك حقيقة اخرى.
معسكر أشرف في العراق الذي كان مكان تجمع قوات منظمة خلق والمعروف عنه انه الوعاء الايدلوجي وكذلك الوعاء الاستراتيجي لهذه الزمرة. رجوي في هذا المكان كان يقطع اتصال قواته مع العالم خارجه ويقوم بغسل ادمغتهم بشكل منظم (الوعاء الايدلوجي)، وكذلك تمكنه وهو بالجوار من الحدود مع ايران القيام باعمال كالتجسس والاغتيال واعمال التخريب لصالح حماته (الوعاء الاستراتيجي). مساعي رجوي ولهذا اليوم هي ان يحتفظ بمخيم ليبرتي على صورة معسكر أشرف هذا اولا ثم إن امكن الرجوع الى أشرف وسبب ذلك واضحا لانه إن فقد الوعاء فبالتأكيد سوف يفقد محتواه.
إن سلم رجوي للخروج من العراق حتى وان تمكن من ايجاد مكان عزل في اوربا او اي مكان اخر لاحياء وعائه الايدلوجي ، فانه لا يتمكن مطلقا من تطبيق استراتيجية جيش التحرير الوطني فيه ولذا يجب ان يفكر بحل اخر للحصول على السلطة في ايران غير الحل العسكري. لكن رجوي يعلم جيدا ان عمله الوحيد هو التجسس والارهاب وبدونها لا ينفع بشئ وان اراد التفرغ للعمل السياسي فان هناك افراد في الغرب افضل منه بكثير بحيث لم تصل اليه النوبة وعلى اقل تقدير اولئك الذين لم يتلوثوا بالخيانة بتعاونهم مع صدام حسين ضد مصالح شعبهم.
مادام وعاء أشرف (اوبديله الحالي ليبرتي) موجودا فانه كلما زاد عدد القوات فهو افضل، اما إن اريد محو هذا الوعاء وافراغ محتواه الى الخارج فان القوى التي جمعت داخله ليس لها اية قيمة بعد لا بل ستسبب في مضايقات له وفي هذه الحالة كلما قلّ الكادر القديم فهو افضل. لهذا السبب فليس مستبعد ان يتخلص رجوي من الافراد المتواجدين حاليا في ليبرتي قبل مغادرته.
ان اضطر رجوي وتحت الضغوط الامريكية ان يتخلى عن وعاء ليبرتي فبالتأكيد سيرجح التخلص من الافراد داخله ايضا. هذا العمل يمكن ان ينفد بطريقتين، الاولى ان يقتلهم جميعا ( انتحار فئوي جماعي) او ان يدفعهم للقتل (اعادة كارثة أشرف) ، الثانية ان يمنع ارسالهم الى اوربا بصورة انفرادية بل ويرسلهم الى ايران كي لا يضايقونه.
الميزة الرئيسية لأشرف في العراق هي وقوعه بالقرب من الحدود مع ايران، اي مكان اخر باستثناء الحدود مع ايران لن تكون فيه هذه الميزة ولا ينفع استراتيجية رجوي. لذلك فان المطلوب بالنسبة لرجوي هو الانتقال الى احدى البلدان المجاورة ليتمكن من القيام بما لم تتمكن القيام به الجماعات المعارضة الاخرى للجهات التي يتعامل معها. لكن هل يوجد مثل هذا المكان بالجوار من الحدود؟
ان ما سيحصل وخلافا لرغبات رجوي هو ان جزءا لا بأس به من هؤلاء الافراد سيذهب الى اوربا وسيكون عدد المنفصلين عن الزمرة في اوربا اكثر من عددهم الحالي وهذا هو الكابوس الذي سوف يتحول الى واقع لرجوي لان الان عدد المنفصلين عن المنظمة في داخل البلد وخارجه يفوق عدد الاعضاء الحاليين في المنظمة. رجوي دائما يذكر ان كل من ينفصل عن زمرته سرعان ما يصبح عميلا لوزارة الاطلاعات الايرانية ، هذا الكلام صحيح عندما يتعرف الفرد على الحقيقة الفئوية للمنظمة بعد تركها والاطلاع على ما جرى عليه ، فسرعان ما يعادي المنظمة وخاصة مسعود رجوي نفسه ، ولهذا السبب البسيط لايريد رجوي ان تصل اقدام افراده الى اوربا ، المكان الذي تتوفر فيه الارضية لنشاط وتحرك مثل هكذا افراد وفضحهم المنظمة.