منذ هجوم امريكا وحلفائها على العراق وسقوط حكومة الدكتاتور صدام حسين عام 2003م، يمر العراق بمرحلة من الاضطرابات والعنف، ونظرا لهذه الاوضاع السائدة عليه وباخذ النظر لنوع السياسة التي ينتهجها لاعبو السياسة في ساحته فانه وللاسف الشديد لا يمكن تصور ان هذا البلد سيشهد السلام والاستقرار التام
يمكن تقسيم المؤثرين في الساحة السياسية العراقية الى عدة مجاميع :
المجموعة الاولى: تشمل الاحزاب والتيارات والقوميات العراقية المتعددة. العراق بلد يضم قوميات متعددة ومذاهب مختلفة فمن الناحية المذهبية يشكل الشيعة الاكثرية فيه يأتي بعدهم السنة في المرتبة الثانية.
ومن الناحية القومية فان العرب يليهم الكرد يشكلون اكبر قوميتين في العراق، ونظرا لهذا التشكيل القومي _ المذهبي في هذا البلد المسلم راح كل من هذه التيارات القومية والمذهبية يسعى وراء النيل واحقاق حقوقهم والحصول على حصتهم في السلطة. إن اعترفت هذه التيارات بالواقع الموجود في البلد وتفكر بالمصلحه الوطنية وبعراق موحد، فان هذا سيوفر ارضية لاستقرار وامن هذا البلد المتأزم.
لكن وللاسف الشديد فان اي من هذه الجماعات القومية المذهبية لم تقتنع بحقها وكل منها لها ادعاءاتها الخاصة. العرب السنة حكموا العراق لمئات السنين وليس لديهم الان الاستعداد بقبول حقوق الاكثرية الموجودة في العراق، الشيعة يزعمون انهم الاكثرية في البلد وضُيّعت حقوقهم لمئات السنين اذن يطالبون باكثر الحصص، الكرد اكبر قومية بعد العرب في العراق يزعمون انهم وعلى مدى التاريخ تعرضوا للظلم لذا فقد آن الوقت لاستعادة حقوقهم المسلوبة.
لا يمكن نفي اي من هذه الحقائق، لكن ياليت هذه التيارات القومية المذهبية تتمكن من الاصطفاف سوية وبدلا عن الخلافات والنزاعات القومية المذهبية التفكير بمصالحهم الوطنية وبعراق موحد الامر الذي لم يتحقق لحد الان والذي يعد احد اسباب ظهور الاضطرابات والفوضى في العراق. البعثيين المندحرين (غالبيتهم من السنة) يلعبون دورا بارزا في هذا المجال (الفوضى). اضافة الى ذلك هناك جماعات قومية ومذهبية اخرى في العراق كالتركمان والمسيحيين الذين يمثلون اقليات ليس لهم دور مهما في تغيير اوضاع العراق.
المجموعة الثانية: وتشمل الدول التي تبحث عن مصالحها في العراق.
بنظر امريكا وبريطانيا انهما المنتصران في حرب الخليج الفارسي الثانية. لذا يرون وجوب تواجدهم في هذا البلد من اجل تحقيق مصالحهم. ان عمل هذه الدول وخاصة امريكا بعد سقوط حكومة صدام حسين يناقض ادعاءاتهم. فامريكا وبذريعة القضاء على اسلحة الدمار الشامل واحلال الديمقراطية هجمت على هذا البلد، لكنهم لم يعثروا على اسلحة الدمار الشامل فيه، ثم ان الحكومة العراقية المنتخبة من قبل الشعب العراقي هي الاخرى لم تطابق رغبات الادارة الامريكية ومن وجهة نظر حكام البيت الابيض فان هذه الحكومة لا يمكنها ان تكون ضامنة لمصالح امريكا في العراق ومنطقة الشرق الاوسط.
السبب الرئيسي لهذا الامر حسب وجهة نظر الادارة الامريكية هو تقارب هذه الحكومة مع الجمهورية الاسلامية في ايران وعلاقاتها الحسنة معها اذن المنتصر الحقيقي في هذه الحرب هي حكومة الجمهورية الاسلامية في ايران.
إن باحلال الامن والاستقرار في العراق لم تعد هناك ذريعة بعد لتواجد القوات الاجنبية فيه حينها ومن البديهي ستصب الاضطرابات والفوضى المؤدية لعدم السيطرة على الاوضاع الراهنة في صالح الادارة الامريكية.
اضافة لامريكا فان تحمل دول المنطقة السنية لحكومة باكثرية شيعية والاعتراف بها رسميا هو غير ممكن، ان هذه الدول تعتبر استقرار وقدرة مثل هذه الحكومة هو تهديدا استراتيجيا لها. لذا فهي تلجأ لدعم الجماعات الفوضوية السنية من اجل زعزعة استقرار العراق.
ان وضع الجمهورية الاسلامية في ايران هو صعب ايضا حيث ان وجود عراق ينعم باستقرار وحكومة باغلبية شيعية مقتدرة ويتمتع بعلاقات جيدة مع الجمهورية الاسلامية في ايران كل ذلك يعود بالنفع على الجمهورية الاسلامية في ايران، لكن عراق مستقر قد يكون مشجعا لاعداء الحكومة الايرانية للتحشيد وادامة الحروب في المنطقة وقد تكون الجمهورية الاسلامية في ايران هدفه التالي.
لذا فان بقاء واشغال الماكنة الحربية لدول الاحتلال في العراق سيكون بحد ذاته مانعا من استمرار مغامرات الاحتلال في المنطقة. وبذلك فباستقرار الوضع الامني في العراق ام بعدمه فانه سيعود بالنفع لصالح حكومة الجمهورية الاسلامية في ايران.
المجموعة الثالثة: وتشمل المنظمات والمجموعات التي تبحث عن اهداف ومصالح لها في العراق وطبيعة اكثرها غير عراقية.
عند سرد لهذه التيارات اول ما يتبادر للذهن هو تنظيم القاعدة، هذا التنظيم الارهابي الذي تحمل ضربات موجعة من امريكا في افغانستان فوجد الان من العراق ارضية مناسبة للانتقام وتصفية حساباته، واكثر الساسة يعدونه هذه الجماعة بالمصدر الرئيسي للاضطرابات في العراق لكن يشك في ذلك، لا لان هذا التنظيم الارهابي ليس له يد في انعدام الامن. بل لان عمل وفعاليات هذه الجماعة وعلى العموم يصب في صالح الادارة الامريكية واهدافها بعيدة الامد في الشرق الاوسط. يجب ان لا ننسى ان نتيجة عمل هذا التنظيم كان ذريعة الادارة الامريكية للهجوم على افغانستان ثم العراق هادفة من وراء ذلك التحكم بمصادر الطاقة الموجودة في المنطقة ولهذا فان متشددوا البيت الابيض يعتقدون بفضل هذه الجماعة عليهم، رغم ان الاحداث التي تلت لم تكن وفق رغباتهم.
كل هذا في جانب وعمل زمرة التخريب المعادية للشعب (زمرة خلق) في العراق في جانب، يوجب الاهتمام به بشكل خاص هذه الزمرة الشريرة هي اكثر التيارات التي تستخدم العنف المعروفة المتواجدة في العراق.
زمرة العنف والتأزيم متواجدة في العراق منذ ثلاثة عقود وبشكل فاعل، العراق كان وبصورة مستمرة المركز الرئيسي لتخطيط وادارة العمليات الارهابية لهذه الزمرة خلال العقود الثلاثة الماضية.
علاوة على ما تلقاه الابرياء من الشعب الايراني من ضربات على يد هذه الزمرة كان لهذه التشكيلات عدوة البشر دورا فاعلا في قمع الشعب العراقي ايضا، فمن الواضح جدا انه وبعد الاطاحة بالحكومة المدافعة الرئيسية بصورة دائمية عن زمرة خلق اي حكومة صدام حسين اصبح وجود هذه الزمرة بالعراق في خطر.
الاحزاب والتيارات التي وصلت الحكم بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق كانت فيما مضى تتمتع بدعم الجمهورية الاسلامية في ايران دائما وان الكثير من قادة هذه التيارات قد اقام لفترات طويلة في ايران لذا فانهم يعتبرون ان لايران الفضل على احزابهم وتياراتهم هذه ومن البديهي هم على علاقات حسنة مع الجمهورية الاسلامية.
وهذا ما سيكلف زمرة رجوي ثمنا باهضا. وفي حال اقتدار مثل هذه الحكومة واستقرار الوضع الامني لم يعد هناك بعد اي مكان لهذه التشكيلات العنيفة ومولدة الارهاب، تجدر الاشارة الى انه ولحد الان اي وبعد سقوط نظام الاب الروحي لزمرة خلق (اي صدام حسين) تلقت هذه الزمرة ضربات موجعة كثيرة وكنماذج على ذلك انفصال اكثر من ثلث اعضائها عن تشكيلاتها وفقدانها معسكر العمل الاجباري (أشرف سابقا).
ان استقرار الوضع الامني في العراق هو بمثابة طلقة الرحمة في نعش هذه الزمرة المتزلزل لذا فعلى قادة هذه التشكيلات ان يعكروا الوضع ومستلزمات ذلك هو اظهار الانعدام الامني والعمليات الارهابية وتكثيفها في العراق لانه في مثل هذه الظروف يتمكن قادة وامراء هذه الزمرة ادامة حياة تشكيلاتهم الحربية عدة ايام اخر والحد من تشتتها وتدميرها بشكل نهائي. نشير هنا الى بعض النماذج المشؤومة من اعمال زمرة رجوي في العراق :
1- اثارة الفتن والخلافات الحزبية والقومية والمذهبية وتشجيع الاحزاب والاوساط العراقية المختلفة وحثها التمرد والعصيان على الحكومة العراقية الشعبيةالقانونية.
2- تعاونها الامني مع القوات الامريكية والقيام بعمليات تجسيسة لمصالح تلك القوات، وهدف القوات الامريكية من هذا التعاون هو التعرف على ما يسمى بقوات القدس لحرس الثورة المتواجدة في العراق حسب زعم القوات الامريكية.
3- التعاون المتبادل والمتقارب مع قوات تنطيم القاعدة المتواجدة في العراق.
4- اللقاءات المتتالية والمتبادلة لمسؤولي الزمرة مع مسؤولي الدول السنية في المنطقة والتي يتم خلالها التنسيق اللوجستي والمالي بين مسؤولي الزمرة وهؤلاء المسؤولين السنة العرب من اجل التخطيط وتنفيذ اعمال العنف وتكثيفها في العراق.
ما هذه الا نماذج من جرائم كثيرة لزمرة رجوي التخريبية في العراق، جرائم ثمنها اراقة دماء عشرات الابرياء من ابناء الشعب العراقي. لكن قائد وكبار مسؤولي الزمرة يرون ان استمرار بقاء تشكيلاتهم اللا انسانية متوقف على القتل والدمار في العراق ولذا فان قائد وامراء هذه الزمرة وبسبب ذاتهم العميلة (اصبحوا اداة ودمى بيد الاخرين)، رغم انهم ومنذ سنوات كانوا ولازالوا ادوات بيد الاخرين.
محسن عباس لو