ليست مصادفة ان توكل السلطات السعودية إلى موفدها الدائم في تل أبيب مهمة الحضور والخطابة في مؤتمر لما يسمى بالمعارضة الإيرانية في باريس تتزعمه مريم رجوي التي تتنقل عبر العواصم والمدن الغربية منذ سنوات بتجمعات انصارها ومنهم "مشردو" معسكر أشرف الإرهابي الذي ورثه الاحتلال الأميركي على أرض العراق من حكم الرئيس صدام حسين ثم حماه من بعده لسنوات بينما تحظى رجوي ومحازبيها برعاية مستمرة منذ سنوات طويلة يحف بها دعم ظاهر وخفي أحيانا تقدمه الولايات المتحدة واللوبيات الصهيونية في الغرب منذ إعلان مجاهدي خلق وأعوانهم عن تأسيس واجهة معلنة لنشاط إرهابي داخل إيران.
اولا الدعم السعودي للجماعات التي تتعهد التخريب الأمني في إيران ليس خبرا جديدا فمنذ سنوات وهذا الدعم معلن في وسائل إعلام المملكة التي تشن حملات ترويجية منظمة لجماعات القاعدة التي نفذت هجمات عديدة داخل إيران وبعضها تحرك عبر باكستان وأفغانستان تحت رعاية سعودية ضمنية كما قدمت السعودية دعمها المالي والإعلامي لسائر الواجهات الانفصالية التي تعادي الجمهورية الإسلامية منذ قيامها وهي تغطي سياسيا نشاطات إرهابية تحظى بالاحتضان المالي والمخابراتي السعودي كما بينت التحقيقات الإيرانية في اكثر من عملية تفجير واغتيال وتزامنت معها تفجيرات واغتيالات تكشفت عن دور فعال للموساد الصهيوني.
من المعلوم ان الاضطرابات والتحركات التي قادتها الولايات المتحدة لتخريب الوضع الإيراني خلال ما سمي بالثورة الخضراء عام 2009 كانت بمشاركة سعودية كاملة إعلامية وسياسية ومالية وأمنية وهي شكلت الاختبار الذي بنيت عليه تجربة ما سمي بالربيع العربي وحشدت لتنفيذه تنظيمات الأخوان المسلمين وفصائل القاعدة ودول الناتو وحكومات السعودية وتركيا وقطر بالأمر الأميركي وبالشراكة مع الكيان الصهيوني كما كشفت فصول العدوان على سورية. ثانيا اليوم نشهد فصلا جديدا من خطط استنزاف إيران وبالمنظومة ذاتها فإلى جانب تصعيد الحرب الناعمة ضد إيران بكل الوسائل المتاحة تجري عمليات اختبار الاستنزاف باستخدام الجماعات الإرهابية وبأمر اميركي بعد فشل محاولات الخرق من الداخل باستمالة أجنحة وكتل سياسية في المؤسسات الإيرانية. ونتيجة خطة منسقة تبطيء الإدارة الأميركية آليات تنفيذ بند رفع العقوبات في الاتفاق النووي وتعرقل مسار تفكيك الحصار الاقتصادي والمالي.
في سياق الخطة نفسها تم تحريك قضية الصواريخ البالستية كذريعة معرقلة وقد تولى التنظير لهذه العملية مؤخرا دنيس روس الدبلوماسي الأميركي السابق المعروف بقربه الوثيق من اللوبي الصهيوني وهو يمثل جناحا مهما في المؤسسة الحاكمة الأميركية وقد نشر مقالا على موقع معهد واشنطن يدعو فيه إلى ردع إيران بعد الاتفاق وهي كلمة السر المشتركة العابرة لواشنطن والرياض وتل أبيب لاعتراض تعاظم القدرات الإيرانية الاقتصادية والدفاعية بينما تتولى الولايات المتحدة والمملكة السعودية مع الكيان الصهيوني قيادة الحصار المالي والسياسي عربيا ودوليا ضد حزب الله الذي أعلن القادة الصهاينة جهارا بعد الاتفاق النووي انهم يخشون تعاظم قوته الرادعة كفائض قوة ناتج عن دوره الإقليمي المتنامي وكحصيلة مرتقبة لفك الحصار عن الجمهورية الإيرانية. ثالثا تحولت جماعة مجاهدي خلق منذ زمن بعيد إلى واجهة احتياطية في حضن الغرب واستحضارها إلى المسرح يواكب قرارا كبيرا اميركيا وصهيونيا جندت السعودية لتنفيذه وتتبدى تعبيراته بالعديد من الاعتداءات التي تجري عبر الحدود العراقية وداخل إيران ويشنها خليط إرهابي تدعمه المملكة بسمات ويافطات عرقية وطائفية وسياسية.
الذي تبرهن عليه تلك الحملة السياسية الإعلامية من باريس هو ان من توهموا شهر عسل إيراني مع الولايات المتحدة والغرب بعد الاتفاق النووي كانوا مخطئين لأن محاولات ضرب إرادة الاستقلال والتحرر الإيرانية لن تتوقف بعدما باتت الجمهورية ركنا في نواة المعادلات الدولية الجديدة مع روسيا والصين ومجموعة شانغهاي ولن تفيد آلاف الصفقات والإغراءات في ثني الغرب الاستعماري وتوابعه في المنطقة لكف هذا الأذى الكبير الذي تردعه فقط توازنات الصراع الجاري على مستقبل الشرق والعالم بدءا من الميدان السوري الذي تؤدي فيه إيران دورا حاسما بدعمها للدولة الوطنية السورية في صد العدوان الاستعماري وكسر الإرهاب التكفيري وكما هي تفعل في تعزيز القدرات العراقية ضد الإرهاب وبتطوير دعمها لحزب الله القوة الشعبية المقاتلة التي تردع الكيان الصهيوني وتقاتل ضد عصابات التكفير في لبنان وسورية والعراق… لدى إيران ومؤسساتها باع طويل في المجالين الدفاعي والاستباقي ولكن سيبقى ان هذه الهجمة السعودية السياسية تنطق باسم حلف العدوان مجتمعا وصدها يكون في قلب الميادين المشتعلة من صنعاء إلى حلب وفي تعزيز التماسك الداخلي ورفع مستويات المناعة ضد محاولات الاختراق في المجتمع الإيراني وباحتواء ومعالجة الثغرات التي يراهن الحلف المعادي على استثمارها.
غالب قنديل