منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، والتي حكمتها المنظومة الثنائية آل سعود والحركة "الوهابية"، حيث تبادلت المؤسسة الحاكمة والمؤسسة الدينية العطاءات، وتقاسمت السلطة، فالمملكة ومافيها من بشر وثروات وممتلكات هي للعائلة المالكة، "ودين" الناس وعقائدهم هي للمطاوعة، و"الأمر بالمعروف" في خدمة العائلة ومصالح الحلفاء المستعمرين
"الإسلام الوهابي" هو ابن المملكة، والملك هو "خادم الحرمين"، والشريعة تتحكم ظاهراً بكل الأمور، حتى الفكر المتشدد "الوهابي" ظاهره حماية التوحيد ومقاتلة مظاهر الشرك، لكن في الحقيقة فإنه يتحمل مسؤولية نشوء وتأسيس الإرهاب ضد المسلمين بشكل خاص، وفي بعض اللحظات وبعض القرارات يطال هذا الإرهاب بعض الغربيين، لكنه لا يصل، وبفتاوى واضحة، إلى العدو "الإسرائيلي"، فـ"العمليات الانتحارية لا تجوز ضد الصهاينة"! لقد هدم السعوديون كل آثار المسلمين ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحاولوا نبش القبر النبوي الشريف ونقله إلى خارج المسجد النبوي، وهم يحاولون حتى الآن، والسؤال: هل الانتحاري الذي فجّر نفسه في باحة المسجد النبوي هو ضمن الخطة المدروسة لهدم قبر النبي لكن بشكل مخادع و"ذكي"، حيث يتحقق الهدف فيتصدّع المسجد بالانفجار، وتأتي "الوهابية" للترميم، فتهدم القبة ويتحقق الهدف المنشود من إزالة قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة؟ وهل العمليات الانتحارية المنظَّمة، والتي تحظى بالرعاية الأمنية والدينية، ستتوالى على المسجد النبوي الشريف لهدمه، خصوصاً أن ردة الفعل الأولى على الانتحاري الأول كانت ضعيفة وخجولة وظرفية، فلم تنزل المظاهرات الإسلامية المستنكرة، ولا صدرت فتاوى العلماء والمؤسسات الدينية، وكذلك لم يستفد رجال الدين من الحادثة لمنع الشباب السعودي والمسلم من الالتحاق بـ"داعش"، بل وكأنها كانت بمنزلة اختبار وجس نبض؛ كما حصل مع هدم قباب أئمة البقيع في المدينة ومقبرة السيدة خديجة (عليها السلام) في مكة المكرمة.
السعودية الجديدة هي العهد السلماني، تؤسس للمملكة السلمانية الحديثة، وتحاول التخلُّص من قبضة الفكر "الوهابي" والمؤسسة الدينية، بعدما استغلتهما حتى الرمق الأخير، عبر توليد التكفيريين من "القاعدة" حتى "داعش"، ومن شروط تسلُّم آل سلمان الحكم ضبط المؤسسة الدينية كخطوة أولى، ومن شروط الانفتاح الاقتصادي ضبط السلوك المتشدد، للتقرب من نموذج الإمارات، فالاقتصاد المفتوح يعتمد على السياسة ومستلزماتها وخدماتها، والتي تتناقض مع "المطاوعة" وأدبياتها. العائلة المالكة مضطربة ومربَكة، فهي لم تنتصر في حربها على اليمن، وفشلت في سورية، وعلى وشك إخراجها من العراق، وتتنافس مع تركيا، لكن الأسوأ ان أبناءها التكفيريين يمارسون فعل "الردّة" عليها، وسينقلب أكثرهم عليها، وسينتقمون منها لتخلّيها عنهم، فأبناؤها التكفيريون في مساجدها وفي قواتها المسلحة وفي قصورها وفي شوارعها، وفي كل زاوية.. إنهم متجذرون في كل مفاصل الحياة منذ أكثر من 200 عام، فكيف يمكن استئصالهم؟ والأسوأ: ماذا لو استخدمهم الأميركيون لتغيير العائلة المالكة، إن اضطروا لذلك حفظاً لمصالحهم؟ السعودية تغرق في الأفخاخ التي تنصبها "إسرائيل" لها، وتتّصل مع حركة "مجاهدي خلق" الإيرانية (الملحدة بنظر الوهابيين)، وتدعم المعارضة المسلحة في إيران، والمتشددين السُّنة والعرب الأهوازيين بشكل مباشر، مما يعطي الذريعة لإيران بالرد بنفس الوسائل دفاعاً عن النفس، فهل تستطيع السعودية مجاراة ومنافسة إيران في العمل الأمني والعسكري؟
يدخل السعوديون عالم السياسة والحرب والأمن المفتوحة في عصر ينهزم فيه الكبار والقوى العظمى أمام الإرهاب المتنقل والخفي، فكيف سيشعر السعوديون الذين لا يملكون الخبرة والكفاءة؟ هم يمارسون الانتحار الذاتي، أو يلبسون الحزام الناسف لتفجير المنطقة بأنفسهم.. ماذا لو انفجر حزامهم الناسف قبل الوصول إلى الهدف المستحيل؟ الاقتصاد السعودي على شفير الهاوية، لأنهم مارسوا الانتحار الاقتصادي عبر تخفيض اسعار النفط.. والمجتمع السعودي متفكك؛ الأبناء يقتلون أمهاتهم وآباءهم.. الزوج يقتل زوجته، والمصلون يرقصون (الشيلات) في المساجد "الوهابية" بمناسبة العيد وحفلات التحرر في جدة.. وتقليص صلاحيات جماعة "الأمر بالمعروف"، والتعاون السياسي والأمني بين "إسرائيل" و"مجاهدي خلق" و"داعش" و"النصرة".. إنهم متعاطون وفق نظرية جمع "الجن" السياسي والأمني المتناقض والمتفلت..
فهل يضمنون ولاءهم وهم الذين يذبحون بعضهم بعضاً، ويمارسون الإعدام بحق مسؤوليهم وعناصرهم بـ"الغلي بالماء"؟ ما زال أمام السعودية متسع من الوقت لتنقذ نفسها وتنقذ ما تبقّى من هذه الأمة، سواء العربية التي تكاد تختفي من الخارطة، أو الأمة الإسلامية التي تقف على شفير محارق "داعش" وإخواتها، أو الفتنة المذهبية، أو أطماع الاستعمار الأميركي والغربي. هل سيستيقظ الأخوة السعوديون قبل وقوع الكارثة؟ السياسة ليست مبنية على المسائل الشخصية المتهورة أو الحاقدة، بل على حماية الأوطان والشعوب والسيادة والكرامة..
كتب بواسطة: النشرة اللبنانية