كتب مواطن ألباني الذي طلب عدم ذكر اسمه وصفًا موجزًا عن زيارة تراوحت عدة ساعات لمخيم مجاهدي خلق في تيرانا عاصمة آلبانيا ونشره علي الانترنت.
كان من المفترض أن نزور معسكر لجماعة معارضة للحكومة الإيرانية. عبرت السيارات بضعة منافذ ومبنى جديد وتوقفت خلف قاعة الاجتماعات. هرع للترحيب بنا مجموعة من بعض المسؤولين في الجماعة الإيرانية وأرشدونا إلي قاعة الإستقبال.
دخلت القاعة خلفهم كانت نظرتي الأولى إلى الأعضاء مفاجئة قليلاً. كان الأعضاء الحاليون من الرجال والنساء يرتدون ملابس موحدة ومرتبة، ولكن متوسط العمر كان بين 60-70 سنة. أستطعت أن أرى بوضوح تجاعيد الوجوه ،والرؤوس الصلعاء ، والأكتاف الضعيفة، والظهور المنحنية، والسماعات في الأذنين والنظارات على عيونهم من أجل الهروب من هذه الأجواء المحبطة، همست في أذن رئيس المجموعة: “بينما تنهي كلامك معهم سوف ألقي نظرة سريعة علي المكان. غادرت بسرعة الصالة لأتجول في المكان وأشاهد بعض أعضاء هذه الجماعة ابتسمت إحدي النساء الإيرانيات التي كانت تبدو أصغر سناً من بقية الأعضاء ، جاءت على الفور لمرافقتي.
كان البناء في المخيم لا يزال جاريًا ، نظرت في الأرجاء لكني لم أشاهد أي طفل ، لم أرَ مراهقًا ولا فتاة ولا ولدًا! المرأة التي رافقتني كانت تراقبني حقاً ، قلت بكلام مُكسر أين الصبية الصغار والفتيات الجميلات؟ أجابت أيضاً بالإشارة وبكلمات مُكسرة : ليس لدينا أطفال ونحن جميعًا عازبون هنا. قررنا فصل النساء عن الرجال وعدم التكاثر للقتال بشكل أفضل هززت رأسي بتعجب وذهبت إلى مبني كانت فيه غرف النوم ، ونظرت من خارج النافذة إلي الغرفة كانت هناك صورتين كبيرتين لمسعود ومريم رجوي معلقتان على جدار المهجع. و لفتت عدة أشياء إنتباهي للوهلة الأولى مثل كراسي متحركة ، و مشاية بدون عجلات (ووكر ) وعصي ، وحبوب وأدوية وغيرها. ثم رأيت عدة نساء في منتصف العمر يرتدين الأوشحة ،يجلسن على مقاعد مقابل الشمس وكان هناك العديد من أقرانهن مشغولين في المشي والرياضة بالقرب منهن. ذهبنا إليهن تكلمت المرأة المرافقة لي معهم بالفارسي ثم ضحكوا جميعا.
بدأت المحادثة مع إحدى هؤلاء السيدات المسنات وسألتها بالإشارة وبمساعدة صديقاتها فهمت ماذا أريد قوله : أين أسرتك؟ ولأنها اعتقدت أنني لاأسمع جيدا وأذني ثقيلة السمع مثلها، أجابتني بصوت عال: “أنا وزوجي ، قبل أربعين عاماً ، بعثنا طفلي الوحيد في سيارة أجرة إلى منزل أبي في طهران ، قائلين إننا ذاهبون إلى العراق وسنعود قريباً لكن النضال كان طويلاً توفي والدي ووالدتي، مات زوجي في العراق ودفنته في مقبرة اللؤلؤ. كما مات أحد أقاربي في بغداد في ليبرتي أيضاً ، وقد رخصوني للتو من المستشفى الأمريكي في تيرانا ، حيث تم إدخالي إلى المستشفى لمدة ثلاثة أشهر ، وأجريت عدة عمليات جراحية، ومن المحتمل أن أموت هنا أيضًا مع قولها هذه الكلمات انهمرت بالبكاء وسالت الدموع من عينيها.
كانت سيدة أخرى تجلس هناك تحدق في المجهول ، وخلال مجيئي وذهابا ، لم يطرأ أي تغيير في حالتها. ثم سألت إمرأة أخري هل لديك إتصال مع عائلتك؟ هل تتصلين بهم؟ هل يأتون لمقابلتك؟ هزّت المرأة رأسها وقالت بصوت عالٍ أنه : لا علاقة لنا بأي شخص في أي مكان. لا على الاطلاق وقالت المرأة الثالثة ، التي كانت ، بصوت خشن واجش : “لكني لا أحب هذا المكان إنه كئيب وممل كما لو أن كل غم وهم الكون اجتمع هنا كنت ناشطة جداً في العمل ، لكن هذه السكتة الأخيرة … أشارت بيدها أيضاً إلى القدم المتورمة. وتابعت “ابن أخي في العراق كان معنا ، لكن عندما وصلنا إلي آلبانيا، هرب مع صديقه وذهب إلى مخيم اللاجئين في تيرانا لقد وجدت أشياء مثيرة للاهتمام واتضح أن عددا كبيرا من مرضاهم هم أعضاء في نفس الجماعة الذين يعانون الكثير من المشاكل الجسدية والنفسية. استغللت الفرصة لرؤية الساحة والمباني الأخري لم أر أي علامة تشير إلي الفرح أو الإبتسام والأمل في وجه أي أحد منهم.
بعد حوالي ساعة عدت إلى مجموعتي كان الناس حول زملائي مختلفين بعض الشيء عن الأعضاء الذين رأيتهم ، وكانوا أصغر بقليل في العمر. بالطبع ، كان هذا نوعًا من العروض التي رتبتها المنظمة لنا. ثم أخذونا إلى قاعة كبيرة حيث كان هناك ما يقرب من 100 شخص فيها.
في طريق العودة ، قلت إنطباعي عن ما رأيته في معسكر “تيرانا” ومحنة 2500 شخص يعيشون معهم لزملائي وقلت أيضاً أنه في رأيي أن هذا المخيم لايشبه سوى شيء واحد وهو دار المسنين ، والذي ربما نستطيع تسميته بدار المسنين الأكبر في العالم. اسمع أحد رفاقي كلامي وقال لي: هل قمنا بالسوء عندما أتينا إلي هنا وأدخلنا الفرح والبهجة علي قلوب هؤلاء الرجال والنساء المسنين؟هل تعتقدين أن الأموال التي تنفق هنا من أجل نضالهم؟ بالطبع لا هذه الأموال تُصرف فقط لإبقائهم على قيد الحياة. انظري هذا منفي بعيد عن كل شئ.