ليالي الذكريات في نسختها الرابعة بعد الثلاثمئة ـ 1
وفقاً لموقع تاريخ إيران الشفوي، أقيم برنامج ليالي الذكريات للدفاع المقدس في نسختها الرابعة بعد الثلاثمئة، مساء يوم الثلاء الموافق 25 يوليو عام 2019م في صالة سورة الفنية. وقام كل من السيد بخشعلي علي زاده وإبراهيم خدابنده ومحمد هاشم مصاحب بالحديث عن ذكرياتهم المتعلقة بمجاهدي خلق وعمليات مرصاد.
وتحدث في بداية البرنامج السيد بخشعلي عليزاده. حيث قال: ” قبضت عليّ القوات البعثية العراقية في ساحات المعارك في الأيام الأولى من شهر مارس عام 1986م في منطقة موسيان. منذ حوالي ثلاث سنوات ونصف، كنت في معسكر الرمادي رقم 10، وهو معسكر يضم الأسري الإيرانيين في العراق. يتألف هذا المخيم من أربعة فرق، وكنت في دوريته الثالثة. كنت مريضاً بشكل خطير ولديّ العديد من الإصابات، لكن لم ألق علاجا يُذكر. رأيت أنني أخسر نفسي، لذلك قررت أن أقضي بقية فترة اعتقالي في زمره مجاهدي خلق أو فرقة رجوي. كانوا يأتون إلى معسكر اللأسري وينشرون دعايات على نطاق واسع. لقد أرادوا الحصول على قوات جديدة. قلت لنفسي أنني سأبقى معهم لمدة أقصاها عامين، وسأعود إلى إيران عند تبادل السجناء.
كان العراق المقر الرئيسي للزمره. تمكنت من الوصول إليهم وبدء عضويتي. إنهم يعملون بشكل قوي جداً في الزمره من حيث العلاقات الاجتماعية، حيث يعملون بسرعة علي اكتشاف والعمل علي نقاط الضعف ونقاط القوة الخاصة بالأفراد. إلى أي مدى يكون الأشخاص المشاركون في الزمره حساسين بالنسبة لمعتقداتهم الدينية؟ ما مدي أهمية معتقداتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كلها يأخذونها بعين الاعتبار ويعملون علي “غسيل الدماغ” . الزمره لديها أسس دينية أيضاً. حول الأفراد الذين لديهم تمسك مذهبي شديد، يقومون بالعمل عليها، وذلك من الأيام الأولى للإسلام إلى زمن إمام الزمان(عج) وما بعده. كما يواجهون أولئك الذين زعموا أنهم علمانيون ولا علاقة لهم بالقضايا الدينية، تحدثوا عن قضايا الطبقة الاجتماعية والحريات الفردية والاجتماعية. لم أكن متديناً ولا علمانياً، لكنني كنت شديد الحساسية بالنسبة للأمور في المجتمع، مثل الانقسامات الطبقية والأغنياء والفقراء. لم أستطع أن أقبل أن بعض الناس يعيشون في حالة طيبة ورفاهية كبيرة وبعض الناس في حالة من الفقر والبؤس والشقاء. سرعان ما أدركوا ذلك بي وشرعوا فيه. قالوا إنّ سبب هذا البؤس والفقر هو الجمهورية الإسلامية! لم يتمكنوا من الوفاء بالشعارات التي قدموها في بداية الثورة، لذلك يجب القضاء عليهم!
كنت أحد أولئك الذين ذهبوا للدفاع عن بلدهم، لكن بعد فترة من الوقت أدركت أنني أصبحت أحد العناصر التي تعمل ضد بلدها. بحلول الوقت الذي غادرت فيه، تزامنت مع عملية مرصاد، التي كانت تسمى في الزمره بـ (فروغ جاويدان). لقد قصمت هذه العملية ظهر الزمره بشكل كبير. كان هناك العديد من الضحايا حيث بلغ عددهم حوالي ألف وخمسمئة شخصاً. بالنسبة للزمره التي يبلغ قوامها حوالي أربعة آلاف في ذلك الوقت، لم يكن هذا العدد من الضحايا بالأمر الهيّن عليهم. من ناحية أخرى، كان هناك العديد من الجرحى الذين ملأوا المستشفيات العراقية. تمكن القليل منهم في البقاء على قيد الحياة، وهي القوى التي كانت تدعم القوات في الجبهات الخلفية. حينها، لم يكن هناك عبء ثقيل على عاتق مريم رجوي. كانت المهمة الرئيسية ملقاة علي مسعود رجوي. كان فحوى حديثه هو تعزيز هذا الجو اليائس والاكتئاب الحاصل داخل الزمره. لم تكن هذه الضربة سهلة بالنسبة للزمره. لقد هاجموا بنية إحتلال طهران. وكان مقر رجوي على استعداد في طهران. لقد عملوا علي هذه الفكرة وفشلوا في إدراكها. لقد كانت الصدمة موجعة جداً، وهي صدمة إيديولوجية و سياسية في الوقت ذاته. بذل مسعود رجوي قصارى جهده لجعل الزمره مرابطة وأن تجمع قواها ثانية وتطرح نفسها علي السطح كبديل للجمهورية الإسلامية وأنها قادرة على تعزيز قواتها واتخاذ إجراءات ضد النظام. ما كان واضحاً في جميع الاجتماعات هو أنهم جلبوا بعض القادة لمعرفة السبب الرئيسي للهزيمة. وكانت النتيجة أنّ السبب الرئيسي هو القوى نفسها. جاءت قوة من أربعة إلى خمسة آلاف شخص لقتال بلد بمليون جندي على الأقل. لم يكن لهم أي علاقة بقوات الطرف المقابل، وألقوا باللوم على جميع قوات الزمره ، قائلين إنهم منعونا من الوصول إلى طهران. كانت هناك مجموعة من المعلومات التي تقول لماذا لم نتمكن من العبور عن طريق مضيق (چهار زبر)؟ في طريق كرمانشاه كان هناك طريق عام ويتخلله طريق آخر حيث يطلق عليه (مضيق چهار زبر). لم تتمكن الزمره من تمرير قواتها من ذلك المضيق. على الجانب الآخر من المضيق كانت قوات الجمهورية الإسلامية وعلى الجانب الآخر من المضيق قوات رجوي. توقفوا هناك، وأطلق المقاتلون والطيارون الإيرانيون النار بكثافة. كان تركيزهم علي الطريق الرئيسي، فشلوا في تحقيق مايطمحون إليه وعادوا بسرعة للخلف. عندما كان لديهم برنامج تلفزيوني يسمى قناة المقاومة، والتي تبث حوالي ساعتين في اليوم، من الساعة 7 حتي التاسعة ليلاً على شبكة تلفزيونية عراقية. كان الإعلان، عندما انضممنا إلى الزمره ، استطعت أن أرى أنّ المعنويات التي رأيناها في التلفزيون آنذاك لم تكن موجودة علي الإطلاق بعد تلك الهزيمة. كانوا يعرضون مشاهد قتال بين الرجال والنساء المجاهدين. ذهبت ورأيت أنه لم تكن تلك المشاهد التي بُثت. الجميع في رهبة والحزن واضح على وجوههم. ولأنني لم أكن على علم بتفاصيل الأمور، استغرق الأمر مني بعض الوقت لأدرك أنّ الأجواء السائدة كانت بسبب الضربة العسكرية العنيفة التي ألحقتها الجمهورية الإسلامية بالزمره. بعد ذلك، بدأت قضية الكويت، كان هناك وقف لإطلاق النار ثم تبادل الأسرى. في تلك القصة، قررت البقاء في الزمره. رأيت أنّ شعاراتهم تتفق مع بعض معتقداتي. في الواقع، لقد انعكست اليوتوبيا (المدينة الفاضلة) التي كانت موجودة في ذهني في تطلعاتهم. لذلك عندما تم تبادل الأسري، قررت أن أبقى معهم. طالما أنّ المرء ليس في علاقة مع المجاهدين ،فلن يفهم المرء ما يدور على الجانب الآخر. سألني بعض الناس كيف بقيت في الزمره لمدة 30 عاماً؟ كانت هذه الدوافع ونفس المعتقدات. من ناحية أخرى، كنا نظن أننا نقاتل من أجل الشعب الإيراني ومن أجل رضاء الله عز وجل. لم نكن نعرف أنّ قيادة الزمره كانت تسيء إلى قواتها. ما كان مسعود رجوي يبحث عنه هو اكتساب القوة والسلطة، وكان هذا بارزاً للغاية في خطاباته. ادعى أنّ سيادة إيران سُرقت خلال الثورة. من سرقها؟ كان يعني أنها سُرقت منه! قال: كان يجب أن أصبح رئيساً، وكان ينبغي أن أكون قائداً، هذا واضح جداً في خطاباته. والآن وبعد أن جاءت الرسائل منه، إتّضح ذلك بشكل جلي.
غزا العراق الكويت واحتلّها. كان علينا الانتقال من معسكر أشرف إلى الجبال والتمويه هناك هرباً من قصف طائرات التحالف. حتى بدأت عملية اللؤلؤ. كنا نشير إلى تلك اللؤلؤة ولا أعرف ماذا كان يطلقون عليها في إيران. في الصخب الحاصل في العراق، قرر رجوي إرسال سلسلة من القوات إلى الحدود الإيرانية. كنت واحداً من القوى التي ذهبت إلي خانقين. اندلعت الصراعات هناك، لكنها هدأت بعد فترة من الزمن. استغرق الأمر حوالي أسبوع ثم عدنا إلى معسكر أشرف. كان هناك الكثير من الضجة والصخب. لقد كانت هناك حرب ولم يكن هناك يوم هادئ. الآن، وبمناسبة ذكرى عملية مرصاد، وبصفتي شخصاً كان هناك منذ سنوات عديدة وشاهد العديد مما حدث، لا يزال بإمكاني القول إنه لا تزال تلك الضربة التي حملتها قوات الجمهورية الإسلامية لزمره وقصمت ظهرها تدور في أذهانهم. بدأوا بعد ذلك وأطلقوا قضية باسم الثورة الأيديولوجية. قالوا إنكم بقيتم وراء مضيق (چهار زبر)، لأنّ المرأة والأطفال كانا في ذهنكم، الرجل الذي كان لديه امرأة واطفال في ذهنه لن يضحي بنفسه ولن يستطع الانتحار! يجب عليك طلاق زوجاتكم وترك الأطفال! بعد فترة من الوقت، تم إرسال الأشخاص إلى دول أوروبية في فرق مختلفة لإبقائهم في أسر متعاطفة مع الزمره. سيتم طرد أي شخص لم يطلق زوجته. نظرًا لأنّ القوى كانت قوى ايديولوجية بشكل أساسي، بدأت العديد من الاتجاهات في الظهور في أوائل عام 1981م. لقد اتخذوا اتجاهات عديدة. كان معظم الأشخاص الذين حضروا ونظموا تعاطفهم بسبب شخصية رجوي، لم يعرفوا ما يدور في شخصيته الداخلية والظاهرية. يبدو أننا نرى شخصاً يضحّي بالغالي والنفيس من أجل تحرير الشعب الإيراني وحريته. لقد أدركنا بمرور الوقت أننا عندما ننظر إلى قيادة المجموعات أنّ قيادة الزمره هي شيء ظاهري وأنه يمتلك شخصية حيوانية فظيعة في الداخل. لقد انخدعنا بظاهره واستغرق الأمر وقتاً طويلاً لمعرفة ذلك. منذ عام 2003، عندما غزت الولايات المتحدة العراق وسقط صدام حسين واختبئ مسعود رجوي، وصل الأمر إلى أذهان الكثيرين أنك إذا كنت قائداً، إذا كنت تنوي الشهادة، وإذا كان طريق الإمام حسين هو طريقك، وأهداف الإمام زمان هي أهدافك أيضاً وتريد أن تحكم على المجتمع الإيراني وتوحد صفوفه، أين تختبئ الآن؟! اخرج! كل يوم كنا تحت المدافع والبنادق العراقية، كل يوم كنا نُقتل ونُجرح، وإذا كانت الشهادة مقبولة وجيدة بالنسبة إليك، فتعال لتصبح شهيداً، وإذا لم تكن كذلك، سيأتي شخص آخر ويتولى التنظيم مكانك. ومنذ ذلك الحين ، أصبحت العديد من القوى متناقضة. إذا نظرت ، يمكنك أن ترى أنّ سقوط القوات بعد عام 2003 كان أكبر بكثير. هرب الكثير من الناس، وأعلن الكثير منهم الانفصال. القصة تسير بنفس الطريقة. الحرب لا تزال مستمرة. هذه الجبهة وتلك الجبهة الكل يقوم بتنفيذ الأنشطة الخاصة بهم. في غضون ذلك، تكمن الشرعية في القوة التي تهيمن على الأمة، وإذا لم تكن صحيحة، فلن تستطيع الحكم لمدة أربعين عاماً. عدت إلى إيران بعد 33 أو 34 سنة. ما رأيته لم يخطر على بالي اطلاقا. لقد ذهبت في أوائل عام 1981م. إيران الذي رأيته لم يكن ذلك الذي كانت تروج الزمره عنه. في المرة الأولى التي أتيت فيها إلى شوارع طهران، فوجئت برؤية الطرق السريعة والأنفاق والمباني. ما يتم الإعلان عنه في الزمره مختلف تماماً. روجت الزمره أنّ الأجواء في إيران هي أنّ الأمة تموت جوعاً وأن الجثث سقطت في الشوارع! بعد انفصالي منهم، انتقلت إلى الدول الأوروبية لمدة ثلاث سنوات وعدت إلى إيران بعد ذهابي إلي ألمانيا. عندما كنا في الزمره كنا نظن أنّ الزهور و البلابل كانت موجودة في كل مكان وكان الجميع يعيشون في الجنة باستثناء إيران. ذهبت إلى أوروبا ورأيت أنّ أولئك الذين كانوا يعرفون كل هذا يعانون من البطالة والفقر والفساد. لقد رأيت التناقض بأمّ عيني. ماذا كانوا يقولون في الزمره ، وكيف يمكننا الآن رؤية تلك القصة؟ عندما جئت إلى إيران، كانت القصة مختلفة تماماً. كل شيء قد تغير. كان هناك الكثير من العاطفة في عائلتي. لقد مر أكثر من ثلاثة عقود وللأسف مات الكثير من الناس. الأطفال الذين كانوا صغاراً ونشأوا وتزوجوا. استمرت الحياة بالكامل، مما أدى بنا إلى بيئة غسيل دماغية خاطئة وخداع أنفسنا. لقد عقدوا اجتماعات أيديولوجية. في هذه الاجتماعات، أعجب الناس بخطاباتهم وشعاراتهم الرنانة. يقولون إنهم يخلقون الأبطال، ولكن ليس كما يتصور البعض. أنت تنظر وترى، أولئك الذين تركوا الزمره كانوا من هذه الفئة التي تخلق وتصنع الأبطال كما يزعمون. لقد ضحوا لسنوات من أجل زعيم الزمره ، ولكن نفس العزلة التي يعيشونها الآن في أسوأ وضع في ألبانيا هي خير دليل علي مايجري هناك. لقد ضحوا بتلك السنوات من أجله، اليوم ومع أقل قدر من الإنسانية، كان ينبغي عليهم دعم هؤلاء مادياً. يتم ترك الناس بدون هوية في مجتمع غريب، دون معرفة لغة الآخرين. ليس لديهم بطاقات هوية. أعطتهم الحكومة الألبانية ورقة مع صورة الشخص الذي لم يتم القبض عليه من قبل الشرطة. يتم تجديده مرة كل شهر أو شهرين أو كل ثلاثة أشهر. لا تشعر الزمره بالمسؤولية نحوهم، ولكن إذا قالوا ذلك، فسيتم وصفهم بضباط المخابرات. كيف تريد هذه الزمره أنّ تتحمل مسؤولية مجتمع يبلغ عدد سكانه ثمانين مليون نسمة؟ كشخص رأى جانبي التيار، أفهم هذا التناقض. أقول لنفسي إنه إذا تولى مسؤولية إيران، فلن يكون قادراً على السيطرة على الوضع فحسب، بل سيزيد الوضع سوءً أيضاً. من ناحية أخرى، هناك الكثير من الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية، وبصفتي شخصاً رأيت عن قرب، يجب أن أحدد الواقع. أقول دون مبالغة أنّ كل ما هو عليه، “أكاذيب وخداع” فقط.
في وقت لاحق من برنامج ليالي الذكريات، قال داود سيد صالحي مقدم البرنامج: “تحدث لنا عن ذكري من معسكر أشرف”. قال عليزاده: ” كانت الذاكرى الأكثر أهمية عندما جاءت العائلات لرؤية أبنائها. في عام 2003، تمكنت بعض العائلات من المجيء إلى العراق لرؤية أبنائها. وبعد بضع سنوات، تم قطع الاتصال. في عام 2009، عندما جاءت العائلات، أغلقت الزمره الأبواب، مدعية أنهم ليسوا من العوائل وأنهم جاؤوا من قبل وزارة المخابرات. لم يسمح لنا بزيارة أسرنا. لقد جاء والدي أيضا. متأثراً بإعلانات الزمره ، على الرغم من أنني أحببت رؤية والدي، إلا أنني للأسف لم أذهب للقائه. ما زلت، لا أستطيع أن أسامح نفسي للقيام بذلك. كان عمري والدي يبلغ 70 عاماً حينها. لقد أتى مواجها صعوبة كبيرة وعمره لا يسمح لهابكل هذا السفر. فاتني ذلك وأصبحت فيما بعد أخجل منه. قبلت يديه وقدميه وطلبت المغفرة منه. لكن ذلك اليوم هو أحد تلك الأيام التي أتذكرها بمرارة”.
يُتبع…
ترجمة: حسين حيدري
موقع التاریخ الشفوی الإيرانی