من المقرر أن ينتخب الخضر في بريطانيا قيادة لحزبهم، لأول مرة منذ تأسيسه قبل 35 عاما. ويتكون قيادة الحزب الخضر الجديد مؤلفة من امرأة ورجل يتقاسمان مسؤولية " القيادة التعاونية " لحزب الخضر، بعد أن كان يـُقاد في ما مضى عبر مايـُعرف بـ " المتحدثين المبدئيين ".
وسيكون انتخاب القيادة " التعاونية " حرا ً ومباشرا ً، وليس على طريقة منظمة " مجاهدي خلق " الإيرانية المعارضة، التي شاء زعيمها السيد مسعود رجوي أن يشكـّل لمنظمته قيادة مشتركة مماثلة، ولكن عبر " الزواج " من زوجة أحد رفاقه، بعد إجبار الأخير على تطليقها، في خطوة ثورية قلّ نظيرها في تاريخ الحركات المسلحة.
لم تكن قضية " زواج " السيد مسعود رجوي والسيدة مريم قجر عضدانلو (هذا هو اسم رئيسة مجاهدي خلق قبل طلاقها الإجباري من السيد كاظم قجر عضدانلو عضو قيادة المنظمة السابق)، التي وصفها منظرو الحركة الإيرانية المسلحة بكونها تطورا ً نوعيا ً في الكفاح السياسي والعسكري والأيديولوجي بالضدّ من النظام الإيراني، التصرّف القمعي الأول في حياة هذه المنظمة السرية.
فقد اعتاد " مجاهدو خلق " على الأساليب الفاشية في معارضتهم المسلحة لطهران، حتى قبل أن تعتاد الساحة الإيرانية لما بعد الثورة ( وخاصة ً بين عامي 1979 و1982 ) على العمل العسكري والقمع المتبادل بين السلطة والمعارضة. كانت المواجهات والسجالات بين جميع الأطراف في السلطة الجديدة والمعارضة فكرية وسياسية غالبا ً، تتخللها مصادمات سطحية لاتتعدى الاشتباك بالأيدي وتمزيق مطبوعات وجرائد الخصم التي تملأ الأرصفة، لكن المنظمة نقلت الموقف إلى أعلى درجات التصعيد في منتصف العام 1981 وانخرطت في أعمال عنف واسعة النطاق في شوارع العاصمة والمدن الأخرى أسمتها بانطلاق الكفاح المسلح ضد النظام، في حين كان ضحاياها رجال شرطة وموظفين حكوميين ورجال أعمال وجموعا ً من الناس العاديين الذين " تشتبه " المنظمة بتأييدهم للحكومة، ومازالت لاتفارق الخاطر صورة ذلك الشرطي البسيط الذي استهدفه قناص " مجاهد " في حزيران ( يونيو ) العام 1981 من أعلى البناية التي كنت أسكنها في طهران ( عمارة ولي ّ عصر في تقاطع طالقاني ) وهو يركض نحو اللاهدف والدم يتدفق من رأسه كنافورة مرعبة. وبعد حين، توّجت منظمة " مجاهدي خلق " مسيرتها العنفية بعملين " نوعيين " في صيف 1981 نفسه، هما تفجير مبنى الحزب الجمهوري ماأدى إلى مقتل أكثر من سبعين من كوادره وعلى رأسهم آية الله السيد محمد حسيني بهشتي أحد أبرز قادة الثورة الإيرانية، وتفجير مبنى رئاسة الوزراء الذي راح ضحيته رئيس الجمهورية السيد محمد على رجائي ورئيس الوزراء حجة الإسلام الشيخ محمد جواد باهـُنـَر.
كانت أعمال العنف التي تمارسها المنظمة المتطرفة فاتحة لرد ّ فعل يفوقها في القوة ويعاكسها في الاتجاه من قبل طهران، وهكذا فقد راح ضحية هذا العنف الآلاف ممن كان يمكن أن يستثمروا حياتهم في أمور أكثر نفعا ً.
لم تكن منظمة " مجاهدي خلق " تختلف كثيرا ً عن المنظمات العنفية شديدة التطرف مثل الألوية الحمراء و " بادر ماينهوف " والجيش الجمهوري الأيرلندي السري والقاعدة وغيرها، بل ربما فاقتها في بعض الأساليب. فهي أول منظمة مسلحة تستخدم التعذيب الشديد لخصومها ورهائنها بغية انتزاع الاعترافات. وهي أول منظمة تستخدم أسلوبا ً وحشيا ً للمحافظة على أسرارها، يتمثل بتوجيه قائد الخلية أو المجموعة إلى قتل رفاقه ثم الإنتحار لدى الإحساس بقرب الوقوع بين يدي العدو. لذلك فليس بوسع المراقب السياسي إلا الاستغراب، إزاء إسقاط الصفة الإرهابية عنها، وإلصاق هذه الصفة بحركات أخرى، تبعا ً لمصالح أقطاب الغرب الديمقراطي وخصوماتهم مع هذه الجهة أو تلك. فالمفروض هو أن تكون القيم المحترمة ومنها نبذ العنف واستبعاد الفاشية والفاشيين شيئا ً غير خاضع للأمزجة والنزاعات الآنية.
ومهما كان من أمر هذه المنظمة السرية وطبيعة نزاعها مع الحكم في بلادها، الذي قد لايعنينا كثيرا ً كونه شأنا ً إيرانياً داخليا ً، لكن استمرار وجودها على الأراضي العراقية، والتلويح باستخدامها في المواجهات المحتملة بين أميركا وتابعيها من بعض أقطاب الأنظمة الأوروبية مع طهران أمر لابد ّ من أن يثير قلق العراقيين على مستقبل بلادهم. فإذا تناسينا ولوغ المنظمة بدماء أبناء الشعب العراقي خلال الانتفاضة الشعبانية في آذار ( مارس ) من العام 1991 الأمر الذي يستدعي تحويل قادتها وجلاوزتها إلى المحكمة الجنائية العراقية العليا كما يحدث الآن لجلاوزة صدام، واستخدام النظام العراقي السابق لها كرأس حربة ضد الشعب في الكثير من الحالات، فلايمكننا تناسي الحقيقة القائلة بأن غالبية أبناء الشعب العراقي يريدون إقامة علاقات طيبة مع جيران بلادهم جميعا ً، و كما يرفضون تدخل هؤلاء الجيران في الشأن العراقي ودعمهم للإرهابيين والخارجين على القانون بالأموال والأسلحة والدعم السياسي، فهم يرفضون أيضا ً إيواء بلدهم لأية معارضة مسلحة تستهدف بلدا ً جارا ً، يستوي في ذلك " مجاهدو خلق " وحزب العمال الكردستاني التركي وأية حركة مسلحة أجنبية أخرى. وإني لأعجب حقا ً كيف تسمح بعض الجهات الأوروبية الحاكمة لنفسها بإدخال حزب العمال الكردي الذي يناضل من أجل إقرار حقوق شعبه في حكم ذاتي واعتراف رسمي بالحقوق الثقافية في تركيا، رغم عدم اتفاقنا معه في اللجوء إلى العنف ضد المواطنين الأتراك، في قائمة الإرهاب، بينما تخرج هذه الجهات منظمة فاشية كـ " خلق " من القائمة ذاتها؟ وأية قيمة بقيت لهذه القائمة وللقيم الراعية لها بعد هذا التلاعب المزاجي؟
علاء الزيدي